سورة إبراهيم - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


واجنُبني: وأبعِدني. تهوي اليهم: تسرع شوقاً وحبا.
في هذه الآيات يتجلى النموذج الكامل للإنسان الذاكر الشاكر في شخصية أبي الانبياء ابراهيم عليه السلام، فهو يدعو الله تعالى ان يجعل مكة بلداً آمناً مطمئنّاً، ويسأله ان يبعده هو وابناءه عن عبادة الأصنام، ثم يذكر مساوئ الاصنام وكل ما عُبد من دون الله بقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس}
ويبين الدين الحق الذي هو عليه ويتابع الدعاء فيقول: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فأما من تبع طريقي فهو منّي، ينتسب إليّ ويلتقي معي، وأما من عصاني منهم فأُفوّض أمره إليك، فأنتَ غفور رحيم.
وهنا تتجلّى رحمة ابراهيم وعطفه ورأفته، فهو لم يطلب الهلاك لمن يعصيه من نسله، كما أنه لا يستعجل العذاب لهم، وانما يَكِلُهم إلى غفران الله ورحمته.
{رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة}.
وهنا يمضي في دعائه: بأنه أسكنَ من ذرتيه بمكة، وهي بوادٍ قاحلٍ لا زرعَ فيه عند بيت الله المحرّم، ثم يبين الوظيفةَ التي أسكنَهُم في هذا المكان القف ليقوموا بها، وهي عبادةُ الله وإقامة الصلاة على حقيقتها.
ثم يدعو تلك الدعوة اللطيفة التي استجابها الله، بقوله: {فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ} أي تميل بشوقٍ إلى ذلك البيتِ العتيق واهلِه في ذلك الجديب، {وارزقهم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وقد اجاب الله دعاءه، فألهم الناس الحجَّ منذ آلاف السنين إلى ما شاء الله، وفي أي وقت ذهب الإنسان إلى الحجاز يجِد فيه أنواع الثمار والخيرات. وفي هذا اظهارٌ لقدرة الله وصِدق وعده.
{رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السمآء}.
إنك يا ربنا تعلَم ما تُخفي نفوسنا وما تظهره مجاهرةً به، فليس يخفى عليك شيء في هذا الكون.
ثم يتوجه ابراهيم إلى الله ويذكر نعمة الله عليه، فيلهج لسانه بالحمد والشكر فيقول: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء}.
فإن هِبةَ الذرّية على الكِبَر أوقعُ في النفس، فهو يحمد اللهَ تعالى على هذه النِعم ويطمع في رحمته.
{رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ}.
بعد الحمد والشكر الذي قدّمه على ما وهبه الله من الذرّية على الكِبَر، يطلب ابراهيم من ربّه ان يُعينه على مداومة شكره بإقامةِ الصلاة هو وذرّيته، وان يتقبّل دعاءَه. والدعاءُ هو العبادة كما جاء في الحديث الصحيح.
{رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب}.
بهذا الدعاء يختم ابراهيمُ شكره وتضرّعه إلى الله، ويطلب المغفرةَ له ولوالديه ولجميع المؤمنين، يوم القيامة.


تشخص: ترتفع. مهطعين: مسرعين إلى الداعي. مقنعي رؤوسِهم: ارفعين رؤوسهم كثيرا. لا يرتد اليهم طرفهم: لا يرجع، كأن ابصارهم جامدة من الهول. وافئتدتهم هواء: خالية من العقل والفهم لفرط الدهش والحيرة. من زوال: من انتقال.
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون}.
الخطاب في صورته للنبيّ عليه الصلاة والسلام، والمراد به جميع الناس. وفيه تسليةٌ للمؤمنين، وتهديد للكافرين... فإن الله لا يغفل عما يعمل الظالمون في محاربة الاسلام. {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار}.
إنما يُمْهِلهم ويمتّعهم بكثيرٍ من لذات الحياة، ليوم شديد الهول تبقى فيه أبصارُهم شاخصةً مفتوحة من الفزع.
{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ}.
إنها صورةٌ رهيبة وهم معروضون رافعين لرؤوسهم، وطرفهم جامد لا يتحرك من شدة الهول، وأفئتدتهم خاوية مضطربة لا إدراك فيها ولا وعي... هذا هو اليوم الذي يؤخّرهم الله إليه، والذي ينتظُرهم بعد الإمهال.
{وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ}.
وانذِر الناس ايها الرسول أنه إذا جاء اليوم فلا اعتذارَ ولا نكال، يوم يقول الظالمون الجاحدون حين يرون ذلك الهول: ربّنا ارجعْنا إلى الدنيا، وأمهلْنا امداً قريبا حتى نجيب فيه دعوة الرسل إلى توحيدك، فيأتيهم الرد: ألم تَحلِفوا في الدنيا أنكم إذا متُّم لا تُخرَجون لبعثٍ ولا حساب، فكيف ترون الآن، ويان قولكم {ما لنا من زوال}؟!
{وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال}.
وسكنتم في الدنيا في مساكن الذين ظَلموا أنفسَهم بالكفر والمعاصي من الأمم قبلكم، وقد ظهرلكم بمشاهدة آثارِهم كيف عاقبناهم، وضربنا لكم الأمثالَ الواضحة، ثم بعد لك كله تُقسِمون {ما لكم من زوال} فلم ترعووا ولم تتوبوا من كفركم، والآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم العذاب.
قراءات:
قرأ أبو عمرو: {انما نؤخرهم} بالنون والباقون {يؤخرهم}.


مقرنين: مربوطين. في الاصفاد: في القيود. سرابيهم: ثيابهم. من قطران: نوع من الزيوت شديدة الاشتعال اسود اللون تدهن به الابل عندما يصيبها الجرب. تغشى وجوههم النار: تعلوها وتغطيها. هذا بلاغ للناس: كفاية في الموعظة.
{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال}.
ولقد مكروا ودبّروا في إبطال الحق وبالرسول الكريم، وعند الله علمُ مكرهم، وان كان مكرهم من القوة والتأثير حتى لَيؤدي إلى زوال الجبال، والله تعالى محيطٌ بهم وبمكرِهم.
قراءات:
قرأ الكسائي: {لتزول} بفتح اللام الاولى، وضم اللام الاخيرة. وقرأ الباقون: {لتزول} بكسر اللام الاولى وفتح اللام الاخيرة كما هو في المصحف.
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام}.
لا تظنَّ ايها الرسول ان الله تعالى مخلفٌ رُسُلَه ما وعدَهم به من النصر، فما لهذا المكرِ من أثر، وما يعوق تحقيقَ وعد الله لرسله بالنصر، وأخذِ هؤلاء الماكرين أخْذَ عزيز مقتدر، ان الله شديدُ الانتقام لا يدع الظالمَ يفلت، ولا يدع الماكر ينجو.
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات}.
ان الله تعالى سينتقم من هؤلاء الكفارِ يومَ القيامة يوم تتبدَّل الأرضُ والسموات. ولا ندري كيف يتم هذا، ولا طبيعةَ الأرض الجديدة وطبيعةَ السموات، وكلُّ ما بعدَ الموت شيء غير عاديّ بالنسبة إلينا واللهُ أعلمُ بذلك.
{وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} خرجوا من قبورهم، ووقفوا مكشوفين بارزين لا يستُرهم ساترٌ بينَ يدي الله الواحد القهار.
وبعد أن وصف نفسه بكونه القهار، بين عجز المجرمين وذلتهم فقال: {وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} وهي صورة عن مَشاهدِ يوم القيامة فيها منظرٌ واقعي للمجرمين كأنك تراه، وهم يخبُّون في قُيودِهم.
{سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار}.
وهذا مشهد آخر لباسهم فيه من هذا الزيت القبيح، والنارُ تغشى وجوههم، وفي ذلك ما فيه من الذل والتحقير.
{لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب}.
لقد فعل الله بهم ذلك ليؤديّ إلى كل نفس جزاءَها بما فعلت، إن خيراً فخير وان شرا فشر، ان الله سريع الحساب يوم القيامة.
{هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب}.
هنا يختم الله السورة بمثل ما بدأت... بإعلانٍ لجميع البشرية في الكون أجمع.
هذا القرآن بلاغ لجميع الناس، لنُصحِهم وإنذارِ هم من عذاب الله، وليكون لديهم العلمُ الحقيقي أن الله إلهٌ واحد عِدة آلهة كما يقول المشركون، وليتذكَّر اولو العقول عظَمةَ ربهم، ويتَّعظوا فيبتعدوا عما فيه هلاكهم، ويرجعوا إلى ربهم في كل احوالهم.

1 | 2 | 3 | 4